أحلام تائهة

من طرف **Ahmad Fares** الأحد نوفمبر 20, 2011 7:26 am

[center]أحلام تائهة

حان
الموعد،و كنتيجة لغريزة طبيعية،أحاطت تلك السيمفونية بالحقل ،نغمات لا
يتذوقها سوى عبقري أو مجنون ،ولم يمر وقت طويل ،حتى تلقت أول جواب ،وثانيا
،وثالثا ،ليتحول ذلك المرج الصغير ،إلى ساحة لأوركسترا غير عادية ،فقد أحيت
الليل ،وشارك فيها الجميع ،فهاهو الجندب يغني بأعلى صوته،لترد البومة
بنعيق يتمازج مع الحفيف الرقيق لأوراق الأشجار،بل وحتى البدر ،أنار المكان
واكتسى لونا فضيا يجذب الناظرين،لم يرى العبقري سوى الألم و الكراهية في
هاته الأصداء اللامتناهية،نوتات تعزف حقدا وتخترق الأذن ،لينزل الدمع من
العين . كان جالسا هناك،الجمهور الوحيد لهاته الفرقة العجيبة ،تحت ذلك
الضوء الأبيض الذي غطاه ،فماكان للعين أن تميزه ،أهو إنسان؟ أم ملاك؟ ،ملاك
يفيض ضغينة وغضبا ،ملاك يغلي تعطشا للإنتقام ،هو ملاك بجناح أسود،رسول
الموت ،ومن يلومه ؟ ،ألم يغن الليل عزاءا له ،أراد إستعادة ماله، مجده ،حبه
،ولكن قيدت يداه وأحاطت سلاسل اليأس برقبته ،فاقه عجزه،حتى أشفق على
نفسه،على ضعفه ،فكر فيها،لقد أخذوا قوة جسده ،عقله ،ولكن ،لن يحصلوا أبدا
على روحه ،وإن جرد من كل شيء ،فسيستعمل سلاحه الأخير ، الكلمة ،وشق صراخه
الظلام والسكون ،لتتوقف جوقتنا الموسيقية،مصدومة ،مهزوزة،من هذا الذي تجرأ
على مقاطعة ألحان الليل ،من هذا الذي قرر مشاركتنا الأحزان،لم يعرفوا اسمه
،و لا نسبه ،بل لم يهتموا سوى بسلامتهم ،وإن كان يشكل خطرا على وجودهم ،
وتابعوا كلماته الحادة بقلق :

(( وهبت حياتي لك ،بل اعتبرت روحي ثمنا بخسا ،مقابل حريتك ، ألمك هو ألمي ،لعنت ،وكل ساكن ، وكان عذابي ،هو صمتي ،أنت ،أنت من أحببتك ،كل يوم ،مع بداية كل فجر وغياب كل يوم ))

و
أخذ بعضا من تراب الأرض ،وتنسمه بقوة ،لم يعهدها أحد من قبل ،حتى خيل
للناظر أنه التهمه،وفاضت عيناه بالدموع ،واستولت الحيرة على محياه ،وبدا
كطالب غبي وسط مناظرة القرن،الكل يلومه ،بل أحس ،بنظرات الأشجار ،والريح
،التي لطمت وجهه ،فوجهت صفعة إلى روحه،لم يكترث أحد لألمه ،لا لعجزه،بل
تشاركوا جميعا ذلك الذل ،والعار ،أراد الدفاع عن نفسه ،أراد شرح وجهة نظره
،فقال : (( حاولت حمايتك ،ولم أكترث بالثمن ،حاولت فك أغلالك ونسيت
أغلالي،فلسطين .))

وصرخ
بأعلى صوته ،فارتجفت الحشائش ،وطارت البومة ،وكاد الجندب أن يختفي في وكره
،كان آثر هاته الكلمة عظيما على الجماد نفسه ،فما بالك في الإنسان ؟ ،لقد
حركت هاته اللفظة البسيطة وبما تحمله من معاني ممجدة تارة ومهينة تارة أخرى
المشاعر وسط الصخر ،فكاد يفجر غيظا،وأكمل أحمد كمتهم مظلوم يستعد لمحاكمته
:

((ولدت
وحيدا يا فلسطين ،أحاط بي الإخوان من كل مكان ،شرقا ،شمالا ،جنوبا ،وغربا
،ولكن يا شماتة ،قطعت أمامهم ،فبدا ذلهم أعظم بكثير مما أحمل من شجن ،رأيت
جحيم الحرب ؟،أتعرفين ماهي الحرب يا فلسطين ؟الحرب هي ...)))

وخانته
الكلمات ،ككل شيء آخر ،توقف عن الكلام ،فأهوال الحرب أبشع من أن توصف
،خاصة إذا غلفت بالظلم ،الظلم ،الذي يجعل عرش الرحمان يهتز ،المظلوم التي
تفتح أبواب السماء جميعها في وجهه في النهاية أكمل :

((
الحرب ،هي ،كراهية أبدية ،وبحر من الجراح ،الدائمة،وألم منقطع النظير ،كان
هذا هو الواقع ،الذي ولدت فيه ،وكان هذا هو الواقع ،الذي تمنيت لو كان
وهما ،حاولت إيجاد معنى من خوفي ،وعدم قدرتي على فعل شيء لتغيير هذا الواقع
،ولكن في النهاية لم أجد سوى الفراغ ،وتقبلت نفسي اليأس.فلسطين ،قبل زمن
طويل كان لي شرف ،أن أحارب دفاعا عنك وبإسم خالقي ،ولكن أخشى أنني فقدته
إلى الأبد ،لا ألوم أحدا سوى نفسي ...))

وأجهش بالبكاء ،لتغسل تجاعيد وجهه الكثيرة ،وتبلل لحيته البيضاء
،رغم أنه كان عجوزا ،نخره المرض ،وأجهز عليه الفقر،إلا أن أكبر وجع هو أن
فقد نوره ،نور أمله،فمانفعته دموعه وما غسلت عاره ،وإن كان في مناجاته هذه لأرضه
؟،تخفيف لمعاناته،خاصة أنه بلغ من العمر أرذله ،وتذوق من عذاب الوحدة
ألوانا ،فلا بأس ،لم يكن هذا المشهد بالجديد ،ولم تكن هاته الدموع بالوحيدة
،إلا أن ما كسر هاته الصورة المتكررة السرمدية ،لم تكن ،سوى ،ابتسامته
،نعم ،ولأول مرة ،منذ وقت ،لم يعد أحد من الأحياء يتذكره ،ابتسم أحمد ،وختم
حواره بقوله : (( بعد كل هاته
السنين ،بعد أن رأيت إخوتي يسقطون أمام عيني ،وينالون الشهادة ،وبعد أن
فشلت في الحصول عليها ،استحققت لعنتي ،وغرقت في يأسي ،الآن ،لم يبق لي سوى
الثقة في الأجيال القادمة ،سيخطون في مستقبل مختلف ،ولابد للتاريخ أن يعيد
نفسه ،وأن يولد من أرحام أخواتنا المسلمات ،صلاح دين آخر،لا بد ،لأنه مهما
طال الليل فسينجلي .)))

وضحك
مقهقها بصوت عال ،فبدا وكأن عشرات يضحكون ،وهذا ما صنع التغيير الحقيقي
،فما أسهل السقوط وما أصعب النهوض،وعلى بعد عشرات الأمتار من ضحكات أحمد
،التي تختلط فيها العبقرية بالجنون ،الأمل باليأس،تراءى ظل منزل كبير،محاط
بسياج من حديد صدئ وحاد ،كالمستعمل في جبهات المعارك ،ووسط فراشه الساخن
الوثير ، ،استيقظ حاييم مفزوعا ، ماهذا الشعور ؟ ،هل رأى
ما بقلبه ؟ ،وتحسس أحلامه ،وإرادته ،،ليستمع بتأن ليدرك أن قهقهة اخترقت
الأجواء ،حتى وإن سمعت بشكل ضعيف ،إنه أحمد ،جاره الفقير،آخر فلسطيني
قذر،لازال محتفظا بأرضه بضع أمتار ،لم يعتنى بها فصارت ملجأ للحيوانات و
الأعشاب الضارة ،ألم نحيبه كل يوم ؟ ألم يعتد صراخه وبكائه كل ليلة ،كيف
للحزن أن ينقلب سعادة ،لا يمكن فلا شيء تغير، تثاءب بعمق ،وقال مهدئا نفسه :
((لا بد أنه قد جن. )) ليعود إلى النوم

ملاحظة : هو حلم انتابني في لحظة يأس ،ولاشك أنه انتاب الكثيرين ،ولكن يبقى لنا أن نحلم ،بغد أفضل .

( منقول للأمانة )

[/center]