نسائم القداسة ..

من طرف **Ahmad Fares** الأحد نوفمبر 27, 2011 10:33 am

بسم الله الرحمن الرحيم

نظرت
إلى ملابسه الرثه ، لم أكن أظن أنه من ذوات الثقافة والمعرفة ، لأنه كان
إنسان عادي ، لكن سيماء السماحة قد بدت تضيء وجهه المفتول ، صعد إلى الباص
الذي كنت أجلس فيه ، تفاجئت لحظة نطقه بتلك الكلمات ، أيمكنني الجلوس بقربك
؟ ابتسمت ورددت أهلا بك سيدي ، رحت أتساءل مع نفسي ترى من يكون هذا الشخص ؟
لماذا قلبي يخفق انعطافاً وحنواً للحديث معه ... إردت أن أقول إليه أنه
هناك أشياء دفعتني أن أغبط رثاثه هيئتك وسموك على الحياة ،وكأن الأرواح
تلاقت وفهمت ما دار بخلجي فلبت ذلك النداء ، فتكلم ذلك الشخص .. في أي كلية
تدرس ؟ أجبته أني أدرس كلية العلوم وتخصصي هو رياضيات ، ثم سألته وأنت ؟
فإجاب بأنه أيضاً طالب ... عندما نظرت إلى شفتيه رأيتها تتحرك من تارة إلى
أخرى ، أشياء لم يكن لعقلي وأفكاري أن تحتويها ، ثم أخذ يخبرني .. هل أنت
سعيد بتخصصك ؟ فقلت له ليس كثيراً ، ولكن الحمد لله ، عندها أردف بالقول ما
رأيك بالقرآن ؟ كنت أعلم انه لو ساق ذلك السؤال لشخص غيري لأمتهن الكلمات ،
لأن الحديث في تلك الأمور يجعل العديد يجعله يشعر بالتقيد والتعقيد
اللامبرر ، لكني لم أكن من أصحاب النفوس إذ أعتلت بمراتب حياتها غبت على
الأرض ومحقت نورها ، لم أكن من هؤلاء الذين عندما يقابلون سلم الثقافة
ينحدرون إلى أسفل الضلالة بأبتعادهم عن الدين والقرآن، كنت أتلذذ بطريقة
سؤاله ، لأن طريقة نطقه للحروف دلت على أنه شخص بارع في اللغة العربية ،
رغم ذلك لم تكن دراسة اللغة العربية سبباً في ذلك بعدما وطدت علاقتي به
آنفاً عرفت أن حفظه للقرآن الكريم كان السبب؛ إلا أني إبتسمت وقلت إليه
بخجل .. يا سيدي لا أملك حقاً أية كلمات تدعوني لأخبرك ما هو القرآن .. سوى
أنه منار للعالمين ، وكنز يمتشق وجود المحبين ، أنه القبس الضاوي كلما
أشتدت الحلكة ، تبسم بوجهي ولم أفهم معنى تلك البسمة التي حملت الكثير من
السكينة إلى روحي ، شعرت أنها لحظات أنتشلتني من الضياع الذي كنت أعيش فيه ،
إلى عالم آخر .. عالم الروحانية المطلقة والنسائم القدسية التي كلما لفحت
انفاسي شعرت بالسلام .. ساد الصمت ، فكل منا كان ينتظر وصوله لمكان دراسته ،
إلا أن حادثاً وقع بعدها علمني كيف أعي حقيقة الوجود ..صرت أناظره كل يوم
وأتوسل إلى الرب أن يجلس ذلك الشاب ذو الملابس الرثة بقربي ، لأن حديثه
يمتعني ، ولأن كلماته لم تكن تخلو من ذكر الآيات ، وذكر رب العالمين ..
أحببت فيه ذلك التواضع ، أحببت فيه تلك الروح التي تحلق فوق مسميات الحياة ،
لحظة إردكت انه من حفظة القرآن، سألته على حين غرة ، هل حفظت القرآن يا
صديقي .. فتبسم بوجهي وقال ، أنه أجمل شيء يمكن ان تحفظه الذاكرة ، انه
أحلى من الشهد وأعبق من الزيزفون والكروان ، فالحمد لله على كل حال ...
عندما نطق تلك الكلمات شعرت فقط بمدى تخلفي ، فهل يمكنني أن أعوض ما فاتني
.. وهل يمكنني أن أعود إلى حيث ترقد الروح مرتاحة البال مطمئة ، عدت في نفس
اليوم ومسكت القرآن ، قرأت ولا ادري هل كنت أسبح في عوالم الرفق ، لأول
مرة اكتشف بأني لا شيء .. لا شيء امام هذا الجمال اللامتناهي ، جمال لا
تصفه الكلمات ، بل لا يمكن أن تذرع فيه الكلمات ، فكله نور .. فسبحان الذي
سوى ..

لقد علمني صديقي الطيب والحافظ للقرآن تلك الآية وقال أنها سلاحك في أوقات الضيق

بسم الله الرحمن الرحيم

" تلك الدار الأخرة نجعلها للذين لا يردون علوا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين "

صدق الله العظيم

فكانت تلك القصة بداية رحيلي صوب النور .. أنه القرآن ، ولا يمكنك ان
تدرك حقاً ما مدى تلك النسائم المقدسة التي تحيط روحك لحظة الأمعان في
خفايا الآيات ....