بعد عشرين عاماً عشق تسطره ذكريات الماضــي

من طرف **Ahmad Fares** الأحد نوفمبر 20, 2011 7:31 am

كان في عقلي عدة أفكار ومشاريع لاتنتهي

بحكم اختصاصي في الهندسة المعمارية لكن صعوبة العيش في بلدي ،
ولأن مزاولة مهنة الاختصاص لاتأتي إلا للذين يمتلكون معرفة مابين المسؤولين في الدولة ،

اضطررت إلى البحث عن أي عمل شريف يسعفني في شدتي ،
حتى وإن كان مخالفاً لتخصصي الدراسي ،الذي جاهدت كي أصل إليه وأحقق ما كنت أحلم به دوما ،

فقررت السفر خارج البلاد للعمل هناك عندما جائتني رسالة من صديق

تعرفت عليه في دراستي يطلب مني الالتحاق به في مدينة تدعى ( آماسيا ) الواقعة في تركيا

فبادرت الى تحضير جواز سفري وإتمام إجراءات السفر سريعا

وفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة والهادئة وصلت الى (آماسيا)

كي أعمل في مطعم يقع على مشارفها كان عمري وقتها (23عاماً) ,

اقتربت من المطعم فوجدته مغلقاً بسبب عاصفة ثلجية هائلة .. وأوشك الهواء أن يقطع أنفاسي من برودتهِ

فالتفتُ يميناً وشمالاً لعلي أجد مكاناً يأويني وألتمس فيه بعضاً من الدفء ..
فوجدت شجرة فوقفت وراءها لعلها تحميني من الرياح التي كادت أن تعصف بي ،
لكنها ما زادتني إلا ارتجافاً لكل أوصالي ،
وعندها سمعت نباح الكلاب فقلت قـد حانت لحظة وداعي من هذه الدنيا ،

ربما
هو الأجل وانتهائهُ ، فلو بقيت الى الصباح وفي هذا الوضع حتماً سأتجمد
وتفضي روحي إلى بارئها ، وعندها طرق مسامعي صرير باب لم ألاحظه قبلاً ،
فنظرت فإذا بي برجل مسن ذو شيبة ،
وأتاني صوته يسأل من أنت؟

فأجبته بصوت يرتجف من شدة البرد :

أنا يا عم

فقال : أنت لست من (أماسيا) ، ماذا تفعل هنا وما الذي جاء بك ..

فقلت :

جئت إلى هنا بحثاً عن العمل في المطعم ,,

فلاحت على وجهه ابتسامة وقال :
لا عليك يا بني هيا ادخل

كان بيتهُ دافئاً جداً فهذا ماشعرت به عندما دخلت ولفحت وجهي موجة دفء تغلغلت داخلي سريعا,

وفجأة رأت عيناي قوام هيفاء وعينا مها أقبلت نحوي على استحياء

تملؤها الأنوثة العارمة فأشاعت مزيداً من الدفء في قلبي على الفور ،

وابتسامتها في وجهي أذابت جليد روحي .. وضعت أمامي الطعام وقالت :

تفضل بسم الله

فقلت : شكراً لكِ

عارضني والدها قائلاً :

هذه أبنتي ( زهراء ) توفت والدتها منذ ثلاث سنين وهي كل من لدي في الدنيا ،

وفي صباح اليوم التالي أشرقت ابتسامة زهراء وكأنها الشمس وهي تنظر نحوي , فخجلت من تلك النظرات لكنها انعشت قلبي ببريق عينيها
استأجرت غرفة مجاورة لمنزل العم كي تكون سكن لي
ومع
مرور الأيام تطورت علاقتي بزهراء ، فكنت دائماً ما ألتقيها تحت شجرة السدر
الواقعة خلف المنزل ، كانت لقاءاتنا بريئة مفعمة بالحب والطهر والنقاء ،
وفي أحدى الأيام أهديتها سلسلة نقشتُ عليها أول حرفين من أسمينا
(ز + ص)

هنا شعرت بطعم العشق لأول مرة في حياتي فلم أحتمل فصارحتها قائلاً :

زهراء أعشقكِ

أحبكِ بكل جوارحي

أنتِ الهواء الذي أتنفس

وعندها تفاجأت بوجود والدها خلفي ووجهه مسوداً كتلك الليلة العاصفة ،
وهو حاملاً فأسه محاولاً ضربي وقتلي , فملتُ يمينا حتى أتفادى مقتلي وهربت من المكان

ور كبت الباص عائداً الى مدينتي ومن يومها انقطعت أخبار زهراء عني ,,,

ولكنها لم تفارق مخيلتي يوماً

وقفت بعد عشرين عاماً من الحادثة في موقع انشاء فندق سياحي في مدينة (آماسيا)
بالقرب من قرية زهراء

عادت
بي الذكريات إلى أول ليلة وإلى لحظات الخوف التي انتابتني، والعاصفة ووجه
زهراء وتبسمها وأنوثتها والحب الذي لا يزال نابضاً في قلبي رغم مرور السنين
، ولحظة هروبي من والدها ، تلك اللحظة التي لم ولن أغفرها لنفسي ما حييت ,

في اليوم الاول اعتذرت عن الحضور الى الموقع بأختلاقي عذر المرض , لكن تاقت النفس إلى تلك الشجرة التي تحمل ذكريات حبي لزهراء

فتوجهت إلى القرية ... وكلما اقتربت ازدادت ضربات قلبي صخبا وتصبب العرق من جبيني ،

كان بيت زهراء كما هو لم يتغير
طرقتُ الباب ويدي ترتجف وقلبي يتسارع في نبضهِ وكأني قبل عشرين عاماً

آآآآآه من تلك الذكريات وتلك اللحظة التي زلزلت كياني ،

فتحت الباب أنثى جميلة لكنها صغيرة لم تتجاوز ستة عشر عاماً نظرت إليها باستغرات وقلت :

من أنتِ ؟

أليس هذا منزل زهراء ؟

قالت : نعم ، هذه أمي ، أتعرفها ؟

نظرت الي مبتسمة وقالت تفضل ياعم .

فقلت : لا يابنتي ، أين والدتكِ ؟ أريد ان اراها .

أحنت الفتاة رأسها وامتلأت عيناها بالدموع

وقالت : ماتت أمي ياعمي

كانت كلما جلست تحت شجرة السدر تبكي ولا نعرف سبباً لبكائها إلى أن ماتت حزناً

عندها مادت الأرض تحت قدماي فسقطت الى الارض وبكيت بكاءاً شديداً،

وصرختُ عالياً زهرائي حبيبة قلبي

ولم اتمالك نفسي الا وانا تحت تلك الشجرة أتلمس الاماكن التي تذكرني بها

فتفاجأت الصبية وقالت : ياعم ، هل تعرف لم أمي كانت تبكي ؟
فأجبتها : نعم يا ابنتي كنا انا ووالدتكِ عاشقان و كنا نلتقي هنا ، وكنا .. وكنا .. وكنا ..

لكنــي هربت وتركتها تواجه مصيرها لوحدها

فنظرت إلي ببرود وقالت:

لما تركتها إن كنت تعشقها ..

وبينما أنا في دهشتي وحزني وصمتي المطبق

دخلت الصبية إلى المنزل وتركتني ،

فذهبت إلى سيارتي أبتغي الرحيل ،فنادت عليّ : ياعم

انتظـــر ،

فإذا بها تخرج السلسلة التي أهديتها إلى أمها ...
وقالت :أوصتني أمي أن أعطيك أياها إذا عدت .

أخذت السلسلة وضممتها إلى كفي وكأني أضمُ زهراء , ومسحتُ على رأس الصبية ،

وعدتُ إلى مدينتي تاركاً موقع العمل

....